النواة

تشكل فكرة الامام المهدي (عج) محور التمايز ما بين الشيعة والسنة، ليس في مضمونها العقدي فقط، وانما في دلالاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، اذ أسست لفهم ذا بعد مستمر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، بل يربط الدنيا بالآخرة، ويستبطن قيما ومعان سامية تنظم العقيدة الشيعية التي تعطي دورا محوريا للمعصوم المنصوص عليه من الرسول (ص)، في قبال الملك الدنيوي الذي قامت عليه عقيدة بعض المذاهب الاسلامية، والتي نزلت بالقائد او الخليفة الى مجرد شخص، لا يحتاج الى شروط ذاتية لتسنم هذا المنصب القيادي الأخطر والاهم على حياة الامة، ففي الحديث المروي بطرق المذاهب  الأخرى “الصلاة واجب خلف كل بر وفاجر”، وقد رواه أحمد بن حنبل وأبو داود في سننه بلفظ: “والصلاة واجبة خلف كل مسلم برا كان أم فاجراً”، ولم يجوزوا “الخروج على أئمة الجور” من الحكام المسلمين، وهو أمر دفع بالأمة الى الاستكانة والنكوص والسقوط في براثن الاستبداد.

ان الفكرة المهدوية تعبر عن التوق الى العدل الإلهي، كما أراده الله سبحانه وتعالى، ونقل تعاليمه الى الرسول الاكرم (ص)، وبلغه لوصيه علي بن ابي طالب (عليه السلام) ثم الى الاوصياء وصيا عن وصي، وصولا الى الحجة المنتظر (عج). ولئن كان لنا ان نشير الى ما ذكره استاذنا محمد الصدر (قدس سره الشريف) من قراءة كلمة “المنتظر)، بالفتح ام الكسر، منتظَر أم منتظِر وفيهما فرق مهم، فالأول من ينتظر الناس ظهوره، فيما الثاني من ينتظر مقدمات ظهوره، ولعل اهم هذه المقدمات هي استكمال العدد المطلوب من أنصاره الذين ستنهض بهم ثورته على الظلم الذي يعم الأرض، ليعلن مشروعه الإلهي الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا.

ان ما يبحث فيه هذا الكتاب هو فكرتي المنتظَر والمنتظِر فيما يركز على الأخيرة بلحاظ النظر في نواة أصحابه عليه السلام عند ظهوره، ومناقشة بعض الأفكار ذات الصلة ومنها الرجعة والطاعة والجهاد الشهادة في سبيل الله وبعض ما له صلة بالمشروع المهدوي بوصفه خاتمة الزمان التي أرادها الله قبل القيامة.